سَنة اضافية مرت دون أن تصبحوا أثرياء ومشاهير!
- Siin land
 - 24 ديسمبر 2024
 - 3 دقيقة قراءة
 
أعزائي الجالسين في رُكنٍ ما من العالم، تتحسرون لأن سَنة إضافية مرَت دون أن تصبحوا أثرياء ومشاهير، وبهذا تعتقدون أنكم لم تبلغوا السعادة والنجاح بَعد، وأنكُم غير أكفاء في هذا العالم الذي بات فيه الرمز والصورة أهمّ من الواقع، حيث تتحجم الأفكار وتتضخّم الذوات بفعل تسليع كلّ شيء بما فيها معاني الحياة والحُب والمعنى.شعوركُم هذا بالذنب والتقصير والحسرة، ليس عبثي، بل أنه مدروس ومُمَأسس من قِبَل النظام الرأسمالي وسياسات الليبرالية الجديدة. لا أسعى لفلسفة الأمور بل بإعادة توجيه أصابع الاتهام للمكان الصحيح، والحذر عند التعامل مع مفاهيم النجاح والسعادة لأنها في ظِل عالمنا هذا، تصبِح مفاهيم مفخّخة؛ لا يمكن فهمها خارج علاقات القوّة .
تقول سيمون دي بوفوار بالكثير من البلاغة "من السهل علينا وصف مكان نُريد وضع الاَخرين فيه على أنه مكان سَعيد" وبهذا فهي تُشير الى أن هُناك من يستفيد من تَعريف السعادة على نحوٍ مُعَين بل أكثر من ذلك، يُمكن أن يُصبح وعد السعادة بمثابة أداة للسيطرة والتَحكُم بالناس.

في كتابه "Affluenza " اتهم عالم النفس البريطاني أوليفر جيمس الرأسمالية الأنانية بأنها أدت إلى ظهور "فيروس والذي يعرفه بأنه: مجموعة من القيم التي تزيد من تعرضنا للضيق العاطفي. وتتجلى أعراض الإصابة بهذا الفيروس بإعطاء قيمة عالية لاكتساب الأموال والممتلكات، والظهور بمظهر جيد في نظر الآخرين والرغبة في أن يكون الفرد مشهورًا، وهنا يخلق أوليفر جيمس مقاربة بين هذا الفيروس المزعوم وبين فيروس نقص المناعة، ففي حين يعرض الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية لخطر الإصابة بمرض الإيدز الجسدي ، فإن الإصابة بفيروس Affluenza تزيد من قابلية الفرد للإصابة بالضيق العاطفي الأكثر شيوعًا: الاكتئاب والقلق.
ففي اليابان، تشير التقديرات إلى أن مليون شاب يرفضون مغادرة غرف نومهم - أحيانًا لعقود - في ظاهرة تعرف باسم "هيكيكوموري". في الولايات المتحدة ، نسبة متزايدة من الفتيات لديهن إحساس عميق للغاية بعدم الرضا عن مظهرهن الخارجي، فهن يقعن ضحية لفقدان الشهية والشره العصبي أو الخضوع لجراحة تجميلية باهظة الثمن. وفي كثير من الأحيان يتم النظر إلى علامات الانهيار هذه على أنها "طبيعية"، أي أن المراهقين هم بطبيعتهم غير راضيين بشأن مظهرهم الخارجي وأن عدم ، وأن الجشع، والاستحواذ، والمنافسة صفات فطرية في الإنسان، الأمر الذي نجده بارزًا في أدبيات علم النفس الفردي التي تتمحور حول نظريات النمو، ولكن ما يجب النظر إليه أن هناك مليارات الدولارات التي ينفقها المسوقون في استهداف المراهقين وغرس الاعتقاد بأن الممتلكات المادية ستضمن لهم الحب والتقدير الذي يتوقون إليه. اذ تكون الرسالة الأساسية لوسائل الإعلام هي: "إذا كنت تريد أن تُرى ، تُسمع ، وتُقدَّر وتكون محبوبًا يجب ان يكون لديك ممتلكات مادية متمثلة بالملابس والألعاب، ولكن الحقيقة هي أن الاستهلاك يؤدي إلى مزيد من المنافسة والحسد ، مما يجعل المراهقين أكثر عزلة وانعدامًا للأمان وغير سعداء، مما يؤجج المزيد من الاستهلاك المحموم في حلقة مفرغة. وهكذا تستغل الثقافة الاستهلاكية العالمية حاجة الإنسان الأساسية للحب وتحولها إلى جشع لا يشبع، فيغتنم الإنسان أيّة فرصة متاحة، لخوفه ممّا يحمله المستقبل، وهو السلوك الّذي يصفه باومان بالخوف السائل، ويمكن تعريفه على أنّه الخوف من أن يغفل الإنسان اللحظة الملائمة الّتي ينبغي فيها تبديل أشيائه وعلاقاته بماركة جديدة. يزيد من هذا القلق التكنولوجيا الّتي تدسّ مرّة أخرى فكرة أنّ الحياة سوق مفتوح، وفي خضمّ ما تطرح من خيارات لامتناهية، إلّا أنّ هذا الانفتاح على الخيارات لا يجلب شعور الاتّساع، بل الضيق، فكلّ شيء متاح، لكن لا شيء ثابت.

لهذا أعزائي، إذا كُنتُم تعتقدون أن حصادكُم في هذه السنة غير مُجدي تِبعًا لمعايير وضعها هذا العالم الذي لا ينفك عن فضح نفسه يوميًا، فلا بُد من أن تُعيدوا التفكير، وتتمسكوا بالوعي النقدي. ثُمَ من قال أن هذا الوقت هو وقت الحصاد؟ من رَبَط نجاحاتنا وانجازاتنا بتاريخ سنوي؟



تعليقات