صحة نفسية؟ يا لها من نُكتة مبتذلة!

تستيقظ سين الساعة العاشرة صباحًا، تُحاول أن تجد أسباب مُقنعة بما فيه الكفاية لتنهض من السرير..تضحك على نفسها من شدة البؤس وتسرح في حديث مُتخيل مع الحياة:

" يا دُنيا يا غرامي، أليس فيك سبب واحد لأنهض وأراكِ؟"

تقول لها الدُنيا " انهضي ثمة أماكن لا بد أن تُزار وقصص لا بُد أن تُعاش"

تضحك سين قائلة " أعرفها هذه الاسطوانة! أي أماكن وأي قصص؟ ألا تسمعين صوت الزنانة؟"

فتقول لها الدُنيا " طيب قهوة؟"

تضحك سين " يا لقلة الحيلة! ولكن حسنًا سأقوم احترامًا للقهوة، احضري لي الركوة.

تنهض سين عن سريرها ضاحكة، تفتح الستائر لتدخل الشَمس بيتها الصغير، تضع أغنية لفيروز لتنفض الغُبار عن قلبها، ودون الكثير من التفكير، تُمسك حاسوبها المتنقل وتبدأ بكتابة رسالة لصديقها البعيد صادق

"عزيزي صادق، مَر يومين على يوم الصحة النفسية العالمي، كان من المفترض أن أكتب مقالًا عن الصحة النفسية ولكن صحتي النفسية لم تُسعفُني، لك ان تتخيل هذه المُفارقة المُضحكة يا عزيزي! عن أي صحة نفسية نتحدث والانسان برُمَتِه رخيص الى هذه الدرجة؟ الصحة النفسية ليست قضيتنا، بل الألم الذي على ما يبدو ان لا مناص منه، لا حيلة لدينا أمامه ،الا ان نجد لهُ معنى، فنحنُ نتحمل الألم بشرط أن يكون لهُ مَعنى. نَحنُ نَقذف ذواتنا للنار أحيانًا مُقابل ان يكون لنا قصة نحكيها، مُقابل سردية حقيقية.

أنظُر الى أرشيف النضال في العالم وستجدهُ مليء بالحُزن والغَضَب. أنظُر لكل الشخصيات التي غَيَرت العالم، ستجدها حزينة رافضة للواقع ومُتسعدة لفضحه.أما الصحة النفسية التي يريدونها لنا فما هي الا دعوة مسمومة للتواطؤ مع ظُلم العالم.

لا أريد أن اتفلسف أكثر، ولكني مُتعبةٌ جِدًا، كنتُ أنتظر سهم سحري يأخذني الى عالم اَخر، أكثر أمانًا وأكثر جمالًا وما وجدتُ الا وحيٍ ينزل علي كُل ليلة ويرتل في أذني اَيات من الحُزن والوحشة. هل تعلم؟ لا أريدُ شيء من الدُنيا الا لَحظة أمان خالصة، لحظة أمان لا تشوبها شائبة كتلك التي كُنتُ أشعر بها وأنا طفلة عندما كنا نذهب لزيارة بيت جدي فأنام بين الجُموع ولا أستيقظ الا على وجهِ أبي وهو يحملني للسيارة. هذه هي الصحة النفسية ببساطة شديدة. لقد كانت موجودة حين لم أكن أعرفُ اسمها. أما الاَن؟ في ظل اَلة الحرب وموتنا البطيء المؤجل يأتي العالم ليقول صحة نفسية؟ يا لوقاحته ! ويا لوقاحتك اذا لم تَرُد على هذه الرسالة.

صديقتك، سين"

تضحك سين وتضغط على زر " ارسال".