top of page

لعبة الحبار الجزء الثاني: الواقع بنسخة مُكثفة.

  • صورة الكاتب: Siin land
    Siin land
  • 30 ديسمبر 2024
  • 4 دقيقة قراءة

تاريخ التحديث: 1 يناير



يستمر مسلسل لعبة الحبار الجزء الثاني في تقديم رمزية جريئة تستدعي التأمل في بنية الأنظمة القامعة والمجتمعات الرأسمالية التي نعيش تحت وطأتها والتي لا تَنفك عن تشكيلنا وتدجيننا. وفي ادعاءٍ يحتمل المُبالغة، أرى في هذا المسلسل تكثيف لواقعنا المُعَقَد. وهنا تحديدًا يَكمُن سِحر الدراما والسينما، فانها تَخلق حالة مُكثَفة ومُبالغ فيها من الواقع لنتمكن من رؤيته بوضوح، هُنا لا يَعُد تبهير الحقيقة شكل من أشكال التضليل بل اشارة اليها.

لعبة الحبار الجزء الثاني 
squid game 2


لعنة الادارك

في هذا الجُزء يَعود سيونغ جي هون الشخصية المركزية، لينتقم من صُناع اللعبة، ليجد نفسه متورطًا بها من جديد، ويبدأ صراع الانتقام، يعود سيونع جي هون مع بصيرة أكبر ورؤية أوضح لما يحدث، ويتشارك معنا نحن المُشاهدين هذه المعرفة، بخلاف الأشخاص الاَخرين الذين يشاركون للمرة الأولى في اللعبة ولا يفهمون أبعادها، لذلك فهُم أقل قهرًا وحُزنًا من الشخصية المركزية، وهُنا يجعلنا المسلسل أن نتأمل ضريبة المعرفة والبصيرة، ولعنة الادراك كما يُسميها ديستوفيسكي. مُقابل الجُنون أو الانفصال عن الواقع، فقد خَلق المسلسل لنا هذه المُقاربة بوجود شخصية مغني الراب الذي يبقى في حالة من الهلوسة نتيجة المُخدرات التي يتعطاها، فنراه في المسلسل يمرح ويضحك وغير مكترث بما يحدُث.

squid game season 2


وهم الاختيار

في هذا الجزء، يُضاف عنصر جديد يتمثل في قانون يسمح للاعبين بالتصويت بعد كل لعبة لتقرير استمرارهم أو انسحابهم. هذا الإجراء يُوهم اللاعبين بأنهم يمتلكون السيطرة، ولكنه في جوهره انعكاس دقيق لما يعيشه الأفراد في المجتمعات الرأسمالية. كما أشار عالم الاجتماع زيجمونت باومان، فإن حرية الاختيار في هذا السياق هي مجرد وهم. الأنظمة المُهيمنة تُعِد العالم مسبقًا بما يتناسب مع مصالحها، تاركة الأفراد يختارون من بين خيارات محدودة صُممت لتخدمها. ففي لعبة الحبار، قادت الديون الطاحنة والظروف المعيشية القاسية المشاركين إلى اللعبة، مما يبرز فكرة أنهم لم يختاروا اللعبة بوعي تام، بل أُجبروا عليها نتيجة لواقعهم المأساوي في حين أن خِطاب اللعبة يُحملهم مسؤولية اختيارهم ويقنعهم انهم أحرار في تقرير مصيرهم، انها الخدعة الأكبر للرأسمالية، حيث تقنع الأخيرة الأفراد بأنهم أحرار في اختيار ما يشترونه أو الطريقة التي يعيشون بها، لكن في الواقع، هذه الخيارات مُوجهة ومُقيدة من قبل الشركات والأسواق. الخيارات التي تبدو كثيرة ومتنوعة مصممة لتلبي مصالح النظام الرأسمالي، مما يعني أن الفرد لا يختار بحرية حقيقية، بل ضمن الإطار الذي يحدده السوق ففي حين يشعرون الأفراد أنهم يختارون بمحض إرادتهم، يقوم النظام بدفعهم للاختيار بطرق خفية، سواء من خلال الحملات الإعلانية، أو المعايير الاجتماعية، أو الضغوط الاقتصادية.

.وهكذا تُدار حياة الأفراد كأنها مشروع استثماري، حيث يتم تقديم مجموعة خيارات على أنها وسيلة لتحقيق السعادة أو النجاح. لكن هذه الخيارات تظل محصورة ضمن القيود التي يفرضها النظام الاقتصادي، وهكذا يعيش الأفرا الحرية المزيفة التي تكون دائمًا منوطة بمشاعر القلق والخوف، فهم مُجبرون على تحمل مسؤولية خياراتهم حتى في الظروف التي لا يستطيعون السيطرة عليها، مما يضع عبئًا نفسيًا كبيرًا عليهم، الأمر الذي كان جليًا في المسلسل.

بالاضافة لأن هذه الامكانية المستحدثة بالانسحاب بعد أي لُعبة جَعَلت المُشاركين يطمعون أكثر، فاذا كان خيار الانسحاب مُتاحًا طيلة الوقت هذا يمنح الشُعور بالأمان لاستكمال اللُعبة! وهنا تظهر بعض الخدع النفسية التي تمارسها الأنظمة المهيمنة بحق الأفراد.



نُقاتل من؟

بعد ما أدرك سيونغ جي هون أبعاد اللعبة، حاول اعادة تصويب أصابع الاتهام للمُشاركين، مقنعًا اياهم انه يجب عليهم مُحاربة صُناع اللعبة بدلاً من التناحر بين بعضهم البعض.لأن العدو الحقيقي ليس بينهم، بل هو النظام الذي وضعهم في هذا الوضع القاتل. وهُنا تظهر قدرة الوعي على تجاوز الانقسامات المصطنعة التي تُغذيها الأنظمة القامعة من خلال توفير أدوات القتال ودوافعه وأسبابه، بينما تظل هي في موقع المتفرج المستفيد. ان هذه الجُزئية من المسلسل كانت في غاية الأهمية وتعكس الضرورة التاريخية لقراءة الواقع ضمن نظرة شمولية، وتعكس أيضا الدور المُترتب على الشخص الذي يحمل المعرفة والوعي في اعادة توجيه غضب الناس وتوعيتهم لما يَحدُث.

لعبة الحبار الجزء 2

سيكولوجية الانسان المقهور

رأينا بالمسلسل أن هُناك طبقات من العنصرية بين المُشاركين، عُنصرية على خلفية العُمر والنوع الاجتماعي والميول الجنسي، فعلى الرغم من أن جَميع من في المسلسل يتشاركون في الطَبقة والهم الطَبقي الا أن هُناك طَبقات أخرى من القَمع داخل المجموعة نَفسها. الأمر الذي يتوافق مع معايير الانسان المقهور كما عَرفه مصطفى حجازي، اذ يعتقد حجازي ان البيئة المأزقية أو القاهرة، تفرض دائمًا وجود علاقات تسلط وعنف م تفرض من خلال لغة العنف أساسًا، ويمكننا أن نجد هذا النمط من أعلى قمة الهرم إلى أدناها، أي من الأقوى إلى الأضعف، وهكذا كيفما تحرك إنسان العالم الثالث يجابه باستمرار بأشكال متنوعة من علاقات التسلط والقهر ، تفقده الشعور الأساسي بالأمن والسيطرة على مصيره، وتجعله مليئا بالقلق . كل إنسان راضخ وتابع على أي مستوى معين من سلم السيطرة والقهر ، يلعب دور المتسلط على من هم أدنى منه مرتبة أو قوة، من الكبار إلى الأطفال، من رب العمل إلى العامل، ومن الرجل إلى المرأة. وهُنا يُمكن النَظَر الى هذه المجموعة من المُشاركين في اللُعبة ضمن رؤية التقاطعية، فهُم ليسوا أفرادًا مُتجانسين.


ثمن البُطولة!

يُظهر المسلسل كيف تتعامل الأنظمة المهيمنة مع كل من يحاول تحديها. في المشهد الأخير من المسلسل، يُقتل صديق سيونغ شي هون أمام عينيه، ويقول القاتل: "هذا ثمن لعب دور البطولة." هذه الجملة تُلخص الاستراتيجية التي تلجأ إليها الأنظمة القامعة لابتزاز متحدييها، لَم يتم قتل سيونغ شي هون لأنه ليس هو المُستَهدَف كجَسَد بل المستهدف هو ما يُحاول ممارسته من بطولة. أراد القاتل أن يُريه ثمن هذه البطولة ويَقتُلُها ومن ثم يَحل مكانها عُقدة ذَنب وكأنه هو السبب في قتل صديقه. أليس هكذا تمامًا يتم التعامُل مع البُطولة في عصرنا؟

لعبة الحبار squid game 2

تعليقات


bottom of page